الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى} {ما} نافية و{كذب الفؤاد} فعل وفاعل وقد قرئ {كذب} بالتشديد أيضا و{ما} موصولة مفعول به لأن {كذب} فعل يتعدى إلى مفعول قال الأخطل:
وقيل لا يتعدى فيكون نصب ما على إسقاط الخافض أي فيما رآه. وزعم صاحب المنجد أن كذب قد يتعدى إلى اثنين قال: وقد يتعدى إلى مفعولين فيقال كذبه الحديث إذا نقل الكذب وقال خلاف الواقع فإذا شدّد اقتصر على مفعول واحد ولم أجد فيما بين يدي من كتب اللغة ما يؤيد ذلك، أما كذبه الحديث فالحديث نصب بنزع الخافض على الأصح، هذا ويجوز أن تكون {ما} مصدرية وهي مع مدخولها في موضع نصب لأنه مفعول {كذب} والمعنى أنه ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم ير بل صدقه الفؤاد رؤيته.
وقول أبو نواس: فقوله: (وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه) من المليح النادر، ومثله قول الآخر في وصف الخمر: 3- في قوله تعالى: {والنجم} إلى قوله: {أو أدنى}، جرس ساحر أخّاذ في تقطيع لفظي عجيب يصوّران موضوعا جليلا ببراعة معجزة، فقد بدأت الآية الكريمة بالقسم بالنجم الذي كان بعض العرب يحلّونه محلّ الإله ولكن القسم ليس بالإله المزعوم فحسب بل به حين يهوي ويسقط من عليائه التي خدعت بعض السذّج وضعاف العقول فجعلوا منه إلها غير اللّه، فهذا السقوط يجرح الألوهية، وقد أورده القرآن الكريم مع القسم تتميما له لأن له أبعادا معنوية خارقة، ثم نفت الآية الكريمة عن الرسول العربي صفة الضلال التي اتهمه بها الجاحدون أولئك الذين بلغ الضلال منهم أن عبدوا النجم الذي ليست له مناعة ضد السقوط، ونصّت الآية في تنزيه القرآن الذي نزل على الرسول الأمين عن الهوى والعاطفة وقال فيه: إنه وحي من اللّه الخالق القوي الذي أمر الرسول بحمل رسالة القرآن فصدع بالأمر ونهض يبشّر قومه بهداه وينذرهم في تنكرهم لرشاده ولم يكن هذا الوحي في ذلك يدعو إلى التشكّك أو التشكيك بل كان والرسول الكريم أقرب ما يكون إلى ربه سبحانه وتعالى، أنه كان على بعد ما بين طرفي القوس والعرب يعرفون قصر المسافة بينهما حقّ المعرفة لأن القوس تعيش بين أيديهم وتصحبهم طول الوقت.
والتاء في اللات قيل أصلية لام الكلمة كالباء من باب وألفه منقلبة فيما يظهر من ياء لأن مادة ليت موجودة فإن وجدت مادة من ل وت جاز أن تكون منقلبة من واو وقيل التاء للتأنيث ووزنها فعلة من لوى قيل لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة أو يلتوون عليها أي يطوفون حذفت لامها وقرأ الجمهور {اللات} خفيفة التاء وابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب وابن كثير في رواية بشدّها قال ابن عباس كان هذا رجلا بسوق عكاظ يلت السمن والسويق عند صخرة.{الْعُزَّى} فعلى من العز وهي تأنيث الأعز كالفضلى والأفضل وهي اسم صنم وقيل شجرة كانت تعبد وعبارة الكشاف: والعزى كانت لغطفان وهي سمرة وأصلها تأنيث الأعز وبعث إليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويليها واضعة يدها على رأسها فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهي تقول: ورجع فأخبر رسول اللّه فقال عليه السلام «تلك العزى ولن تعبد أبدا» وجاء في القاموس والعزى العزيزة وتأنيث الأعز، وصنم أو سمرة عبدتها غطفان أول من اتخذها ظالم بن أسعد فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال بنى عليها بيتا وسمّاه بسا وكانوا يسمعون فيها الصوت فبعث إليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدم البيت وأحرق السمرة.{مَناةَ} صخرة كانت لهذيل وخزاعة وعن ابن عباس لثقيف واشتقاقها من منى يمنى أي صبّ لأن دماء النسائك كانت تصب عندها.{ضِيزى} جائرة من ضازه يضيزه إذا ضامه وجار عليه وعلى هذا فتحتمل وجهين أحدهما أن تكون صفة على فعلى بضمّ الفاء وإنما كسرت الفاء لتصحّ الياء كبيض، فإن قيل: وأي ضرورة تدعو إلى أن يقدّر أصلها ضم الفاء ولم لا قيل فعلى بالكسر؟ فالجواب أن سيبويه حكى أنه لم يرد في الصفات فعلى بكسر الفاء وإنما ورد بضمها نحو حبلى وأنثى وربا وما أشبهه إلا أن غيره حكى في الصفات ذلك حكى ثعلب: ميتة حيكى ورجل كيسى وحكى غيره امرأة عزهى وامرأة سعلى.وهذا لا ينقض على سيبويه لأن سيبويه يقول في حيكى وكيسى كقوله في {ضيزى} لتصحّ الياء وأما عزهى وسعلى فالمشهور فيهما عزهاة وسعلاة والوجه الثاني أن تكون مصدرا كذكرى قال الكسائي: يقال ضاز يضيز ضيزى كذكر يذكر ذكرى وقرئ {ضئزى} بهمزة ساكنة ومعنى ضأزه يضأزه: نقصه ظلما وجورا وهو قريب من الأول، وفي المختار ضاز في الحكم جار وضازه فيه نقصه وبخسه وبابهما باع، وسيأتي مزيد بحث عن هذه الكلمة في باب البلاغة.
وجملة {سميتموها} صفة لأسماء وكذلك جملة {ما أنزل} وما نافية و{أنزل اللّه} فعل وفاعل و{بها} حال لأنه كان في الأصل صفة لسلطان و{من} حرف جر زائد و{سلطان} مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به.{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى} {إن} نافية و{يتبعون} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل و{إلا} أداة حصر و{الظن} مفعول {يتبعون} والواو حرف عطف {وما} موصول معطوف على الظن ولك أن تجعلها مصدرية والواو حالية أو اعتراضية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق و{جاءهم} فعل ماض ومفعول به مقدّم و{من ربهم} متعلقان بجاءهم و{الهدى} فاعل {جاءهم} والجملة إما حالية من فاعل {يتبعون} أو معترضة لا محل لها، والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم وتحقيرا لشأنهم.{أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى} {أم} منقطعة بمعنى بل والهمزة للإنكار و{للإنسان} خبر مقدم و{ما} مبتدأ مؤخر وجملة {تمنى} صلة ما أي الذي تمنّاه وترجّاه في الأصنام.{فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى} الفاء عاطفة على مقدّر مفهوم من معنى أم أي ليس الأمر كذلك وللّه خبر مقدم و{الآخرة} مبتدأ مؤخر {والأولى} عطف على {الآخرة}.
|